لوكا مودريتش، أفضل لاعب كرواتي العام الماضي، صانع ألعاب صاحب رؤية صائبة في الملعب، فتى ذهبي سار به القدر لينتقل من مدينة زادار الساحلية مراوغاً أصدقائه الصغار، ليصل إلى الدوري الإنكليزي متوجاً بصفقة خيالية مع نادي توتنهام هوتسبير بلغت 21 مليون يورو.
يجسد مودريتش (22 عاماً) أناقة صانع الألعاب القادر على استعمال القدمين، فهو قادر على اللعب في وسط الملعب أو في مركز الجناح الوسطي، ورغم ضعف بنيته الجسدية (1.74 م) إلا إن طاقته وشراسته تعوضان في اختراقه مناطق الخصم.
بداية في زادار وتألق في موستارنشأ لوكا الصغير على ضفاف بحر الأدرياتيك، وتفتحت موهبته مع نادي إن كاي زادار في مدينة زادار مسقط رأسه وخامس مدينة في كرواتيا، لكن كشافي الأندية الكبيرة لم يتأخروا في سحبه إلى العاصمة، وتحديداً إلى دينامو زغرب وهو لم يتجاوز السادسة عشرة.
بعد سنة أمضاها مع فريق الناشئين، أعير مودريتش إلى أندية صغيرة كي يبدأ في تكوين نفسه، فانطلقت مسيرته رسمياً عام 2003 في صفوف زرينيسكي موستار البوسني، حيث سطعت نجوميته مسجلاً ثمانية أهداف في 22 مباراة، وانتخب بجدارة أفضل لاعب في الدوري البوسني.
عاد مودريتش بعدها إلى "برفا" أي دوري الدرجة الأولى الكرواتي، حيث أعير هذه المرة إلى ناد محلي هو إنتر زابريسيك، لينتشله من تواضعه ويوصله إلى وصافة دوري 2004-2005، ورغم عدم تسجيله سوى ثلاثة أهداف في 18 مباراة، سمي "أمل" الكرة الكرواتية نظراً لأدائه المميز.
انطلاق النجومية مع دينامو زغربكانت البداية الجدية لمودريتش في عام 2005، وفيها خبر دينامو زغرب جيداً طاقته، فوقع معه عقداً ربطه لمدة عشر سنوات كاملة، وفي الموسم ذاته فتح منتخب تحت 21 سنة أبوابه للاعب الصاعد، حيث أمضى سنة واحدة قبل أن يثبت أقدامه مع المنتخب الأول بمواجهة الأرجنتين (3-2) في آذار/مارس 2006 تاركاً بصماته الفريدة.
كان لوكا يافعاً في تشكيلة المدرب زلاتكو كرانيكار خلال كأس العالم 2006، فشارك بديلاً بمجموع 30 دقيقة في مباراتي اليابان وأستراليا.
أضحى مودريتش معبود جماهير دينامو، بعد أن انهمرت الألقاب على الفريق، منها اثنان في الدوري وواحد في كاس الأندية المحترفة وكأس السوبر، فاستحق شارة القائد بعمر الثانية والعشرين.
بقي "مودري" عملاقاً محلياً ومجهولاً أوروبياً، إلى أن خاض تصفيات دوري أبطال أوروبا موسم 2006-2007 فلفت نظر مدرب آرسنال الفرنسي أرسين فينغر صاحب العين الثاقبة، لكن تصفيات كاس أوروبا 2008 التي خاض فيها 11 مباراة من أصل 12 كانت منعطفاً هاماً في تحوله أكثر النجوم طلبا من الأندية الكبيرة.
طالت اللائحة، من برشلونة وريال مدريد في إسبانيا وصولاً إلى إنتر الإيطالي وبايرن ميونيخ الألماني، إضافة إلى أندية المقدمة في إنكلترا، حيث كان تشلسي الأقرب للحصول على خدماته في كانون الأول/ديسمبر 2007، لكن خلافات على مبلغ الصفقة أبقته في زغرب.
عاش مودريتش أصعب فترات حياته بعد خيبة أمله بعدم الانتقال إلى تشلسي، رافقها تراجع في مستواه حوله من معبود للجماهير إلى كائن غير محبوب في الفريق، وفي هذه الفترة حاولت الفرق المتوسطة اصطياده، فكان على مشارف الانضمام إلى نيوكاسل يونايتد الإنكليزي، غير أن رغبة مدرب توتنهام هوتسبر الإسباني خواندي راموس وضعت حداً لكل الطامحين، ليتحول مودريتش من العاصمة الكرواتية إلى نظيرتها الإنكليزية، وتحديداً إلى شمالها على ملعب "وايت هارت لين".
مستقبل واعد ينتظر مودريتشيتوقع أن يكون مودريتش أحد الأعمدة الأساسية التي سيرتكز عليها المدرب سلافن بيليتش الذي أشرف عليه سابقاً في منتخب تحت 21 سنة، وهو يصنفه بين أفضل اللاعبين، مفضلاً إشراكه كلاعب وسط دفاعي، مع إمكانية تقدمه إلى الأمام حسب الحاجة.
وهناك محطتان مستقبليتان أمام مودريتش، الأولى قريبة المدى وتتمثل في كاس أوروبا مع منتخب كرواتيا، والثانية بعيدة المدى على موسم كامل مع توتنهام، وبحال نجاحه فيهما سيسلك "مودري" طريق العمالقة الكروات زفونيمير بوبان ودافور سوكر وروبرت بروزينيتشكي.
24 مباراة دولية هي رصيد مودريتش مع كرواتيا، التي أقصت بجدارة انكلترا عن نهائيات 2008، عزف فيها الولد الذهبي أرقى الألحان الكروية، فهو لم يعد يشبه الهولندي الطائر يوهان كرويف في تفاصيل وجهه وجسمه وقميصه الرقم 14 فقط، إنما في عبقريته الكروية المنتظرة على ملاعب أوروبا 2008.